تطرق مسامعنا كثيرًا كلمةُ "الإبداع" وأصبح كثيرون من أربابالأعمال ومسؤولي الإدارات يتداولونها في الحديث عن منشآتهم ومؤسساتهم، ويحرصون علىتبني بعض المواد التدريبية التي تعالج هذا الموضوع, ومن واقع تجربة ميدانية و دراسةعلمية حول هذا الموضوع يتضح أن التعامل مع موضوع ط§ظ„ط¥ط¨ط¯ط§ط¹ في أغلب الممارسات هوتعامل سطحي، لا يتعدى إعجابًا برونق الكلمة ودلالاتها اللفظية, قد يتبعه حضور دورةأو دورتين أغلب ما يطمح فيها تنظير لفكرة الإبداع وكيف يصبح الفرد مبدعًا والتعاملمع بعض أدوات التفكير الإبداعية وحسب.
وهذا الحد من التعامل مع قضية "الإبداع" وإن كان بداية جيدة – مقارنة بمن لا يهتمون به أصلا- إلا أنه يظل عملاً وممارسةسطحية للموضوع لا يتحقق منها للفرد ولا لدوائر الأعمال الحكومية أو الأهلية الثمرةالمرجوة و العملية من الموضوع.
الإبداع اليوم إبداعجماعي
إن التغييرات شديدة السرعة في عالم الاقتصاد اليوم ترفع لناشعاراً جديداً في مفهوم الإبداع وهو "الإبداع الجماعي". لم تعد القيادة والتأثيرحالياً للشخص المبدع "الفرد" بل للمجموعة أو "الفريق المبدع" حتى وإن كان الرابطبينهم في بعض الأحيان هو رابط إلكتروني فحسب، ولكن التكامل بين أفراد الفريق الواحدأوجد إبداعًا جديداً يفوق الإبداعات الفردية نوعًا و كمًّا. لقد جنت الشركاتالأخطبوطية عابرة القارات من جهود وعقول كثير من أبنائها من خلال ربطهم الإلكترونيعبر أرجاء الدنيا مما يسهل التعامل مع كثير من المصادر المعلوماتية المملوكة لمثلهذه الشركات بشكل أسرع وفي الوقت المناسب.
لنتابع إن شئنا الكم الهائل والمتتابعمن الابتكارات الطبية اليومية حتى أصبحت شركات تصنيع الدواء والأبحاث الطبية منأكثر المؤسسات ثراءً وأشدها صعوداً في سوق الأسهم, وهذا لا يقلل من أهمية المواهبالفردية؛ ولكن التوظيف الأمثل لهذه المواهب وتمكينها من استثمار قدراتها هو عمليةمتكاملة لها ضوابط وآليات تحتاج إلى تكاليف باهظة، ولعل الأمثلة الرياضية في تحطيمالأرقام القياسية الفردية قد يكون مثلاً سائقاً في هذا الموضع.
بيئةالإبداع
إن ط«ظ…ط±ط© الإبداع لا يمكن أن تنمو إلا في بيئة مناسبة لهامن الخصائص و المميزات ما يجعلها المكان الوحيد و المناسب لإبراز الإبداعات الفرديةومن ثمً تسويقها و تهيئتها للمنافسة في الأسواق المحلية والعالمية, ولكن واقع الحالفي بيئات العمل يحدُ كثيراً من انطلاق الملكات الفردية فضلاً عن دعمها أوتوظيفها.
وبين أيدينا محاولة متواضعة لوضع صورة متكاملة للبيئة المناسبة لغرسبذرة الإبداع، ومن ثم جني ثمرتها من خلال ربط رمزي للفكرة مع أشجار النخيل. فالعملفي تغيير بيئة المنظمات يعد من أصعب الأمور وأكثرها حاجة لعاملي الوقت والتدرج فكانالقياس على شجرة "النخلة" الأقرب لشرح الفكرة و بيان الهدف, حيث تعد النخلة أكثرالأشجار طلبًا للجهد والوقت من صاحبها.
ومن خلال هذا الربط بين عملية استنباتالنخيل وعملية استنبات الإبداع في مؤسساتنا الأهلية و الخاصة؛ نخلص إلى مجموعةمقومات أساسية لابد من الالتفات لها إن أردنا التوظيف الأمثل للملكات الفردية وتوجيهها لخدمة الأهداف العليا للمؤسسات فنجني رطبًا لذيذًا تسر به عيون المالكينوالمساهمين على السواء.
أولاً: التربة المناسبة
وأقصد بهذاالأرضية الأساسية لبنية المنظمة، فكما أنه لا حياة مستقرة للنخلة بدون أرض خصبةتساعدها على النمو؛ فإنه لا يمكن لشجرة الإبداع أن تنمو ما لم تتوافر لها منظومةعمل متكاملة على رأسها الرؤية الواضحة والمشتركة، والتي تعبر لا عن رغبة الإدارةالعليا فقط؛ بل تشرك القيادة موظفيها في صياغة هذه الرؤية والحماس لتحقيقها. ويتبعهذا و يسنده توافر أنظمة عمل شاملة وعمليات مرنة وخطوات تنفيذ سهلة وواضحة .
ثانيا: الفسيلة الجيدة أو البذرة الصالحة
ولعل فيه إشارةواضحة إلى آلية اختيار العاملين و الموظفين في دوائر الأعمال المختلفة. لا يمكنبأية حال من الأحوال أن تتطور مؤسساتنا أو تنافس غيرها في منظومة الأسواق المفتوحةإذا لم يتم التدقيق في نوعية الكوادر التي تستقطب إلى المنظمات، كون الركيزةالأساسية لأي منظومة عمل هي الإنسان، فإذا لم يكن مؤهلاً للعمل والمنافسة والحفاظعلى المكتسبات، فإن التعثر سيكون النتيجة المتوقعة ما لم يتدارك ذلك بخطة تطويرجادة وفعالة، وهو أمر يكلف الكثير لكن لا غنى عنه و لا بديل له. وهناك وصفان أساسانفي اختيار الموظف ذي الجودة العالية :
1- القدرات العملية: والتي تعكسالمهارات والسلوكيات التي يمكن توظيفها لخدمة أهداف الشركة أو المؤسسة بشكلمباشر.
2- الأخلاق : والتي تمثل القيم والمبادئ التي يعيش بها ومن أجلها المسلمبحيث تشكل حصانة من التهاون أو التفريط في مسؤوليات الموظف أو ممتلكات المؤسسة.
ثالثاً: السقاية المستمرة
الماء عصب الحياة ، قال تعالى ( وجعلنا من الماء كل شيء حي) فلا حياة بغير ماء، وسقيا شجرة الإبداع هي الثقة التيتنساب في النفوس انسياب الماء في عروق النخلة وجذورها. فالثقة مثل الماء طاقة تنبعثوحيوية تتدفق، الباذل لها وهي القيادة يعوزها مستوى معين من الشجاعة نظير المخاطرةالمحسوبة التي تتحملها و تتوقعها ، وهي حيوية تتدفق من الموظفين الجديرين بها جراءنفسية التمكين التي يعيشونها فتدفعهم لبذل الوسع بكل سرور وتحقيق النتائج بكلإصرار.
رابعاً: التغذية والتقوية
من طبيعة حياة النباتتعرضه المستمر للشوائب والآفات، فلا يصح إهماله وتركه يصارع الآفات من غير علاج ولاوقاية, وكذلك المؤسسات لا تلبث أن يعكر صفو سيرها حوادث الأيام، فالمنظمات تشيخوتهرم فتحتاج إلى نوع خاص من المعالجة والتقوية، وقد تضخ فيها الدماء الشابةفتعتريها مخاطر المراهقة، فيجب في حقها وقاية من آفات أخرى، وهكذا تدور عجلةالتغيير ولا يقتنص ميزة كل عهد إلا القياديون المهرة, و أما غيرهم فيخبط خبط عشواءتداوي حينًا وتقتل أحيانًا كثيرة.
وشجرة الإبداع غذاؤها التدريب والتعليمووقايتها في التشجيع والتكريم, وهما عنصران لا غنى عنهما في حياة المؤسساتوالمنظمات، لأن امتناعهما يعني ضمور المواهب و نضوب المشاعر، فالمواهب إذا لم تغذَبالجديد النافع والخبرة المجربة تركن إلى القديم من الوسائل وتعجز عن مجاراةالمنافسين. كما أن التشجيع والتكريم يلهم مشاعر الموظفين فيكون ولاؤهم للمؤسسة أقوىوحرصهم على المبادرة أشد وهذا لاشك ميزة يكاد يتفق على تواجدها في المنظماتالمتفوقة دائماً.
خامساً: البيئة النقية
قل لي أي بيئة تعيشمؤسستك, أقل لك جودة إنتاجها.
لا يتوقع رطباً جنياً من نخلة لا تتنفس إلابصعوبة وإذا تنفست كان كدراً وضيقاً على صدرها، وكذلك الإبداع لا ينمو في بيئةينعدم عندها احترام الآراء وتغيب فيها روح الفريق ولا تسود فيها قيم ومبادئ وآدابالمسلم،
وهي من الأهمية بمكان يجدر الوقوف عندها كثيراً، وتلمس كل الوسائللتهيئتها لكثرة التفريط فيها من جهة، ولأثرها البالغ في تميز المؤسسات والمنظمات. فإذا فتشنا في تاريخ الغادرين لمؤسساتهم وأماكن أعمالهم؛ لوجدنا أن الغالبية العظمىتعزو ذلك إلى بيئة العمل السيئة. وأذكر أنني في إحدى الرحلات سألت أحد العاملينبجهة خيرية ذا مؤهلات عالية عن سبب تمسكه بهذا العمل رغم أن مثله يستطيع أن يجدعروضا أفضل بكل يسر و سهولة فكان السبب هو أن استمتاعه و تعلقه ببيئة العمل فيالمؤسسة أكبر حافزاً له على البقاء ومواصلة العمل.
سادساً: الضياء والحرارة
هل شاهدتم نخلة تنمو في غير ضياء؟
هل رأيتم رطباً يثمر فيشتاء قارس؟ أو جو بارد؟
الضياء والحرارة من نعم الله على بني الإنسان, بها يسهلمعاشهم ومنها سبيل دفئهم و غذائهم, ليس لهم بهما بديل ولا عنهما سبيل .
القدوةوالقيادة هما الضياء والحرارة لشجرة الإبداع، القدوة كالضياء يسير في ركبهاالمقتدون على خطى قائد هم اقتناعًا منهم بعلمه وحنكته الإدارية، فتقل بذلكالاجتهادات الهوائية والانتقادات الظنية. والقيادة كالشمس ترسل دفئها فتتسارع علميةالبناء داخل النخلة فتينع الثمرة و يحسن الحصاد .
والقيادة هي الأمر الوحيد الذيلا يمكن تفويضه فلا حياة لمنظمة أو مؤسسة بغير قيادة كما أنه لا حياة لنخلة بدونضياء أو حرارة.
…. للأمانة الموضوع منقول أحببت نقله للإستفادة